الأسس التخطيطية للحفاظ على المدن التاريخية

الأسس التخطيطية للحفاظ على المدن التاريخية

دراسة مقارنة بين عدة حالات أوربية و عربية

حلب و وارسو

د. محمود حريتاني أستاذ الدراسات العليا بكلية الهندسة المعمارية

مقدمة :

إن أمر حماية المواقع التاريخية ، على الصعيد الفردي ، قديم جداً ، أما على الصعيد الشعبي والرسمي فقد برز منذ أوائل القرن التاسع عشر .

ومنذ النصف الثاني من القرن 19 برزت أهمية المدينة القديمة ، بمجموعها وليس فقط بمعالمها الهامة ، وأصبحت تشكل بأبنيتها التاريخية مع المناطق التي تحيط بها ؛ الجزء الأكثر قيمة من الثروة الثقافية للأمة . (1)

يتبادر إلى الأذهان سؤال يوجه إلى كل من يشكك بقيمتها ، كيف نقدرها ضمن التبدلات الحالية؟! وحتى أمام القيم الجديدة التي ظهرت في المجتمعات الاشتراكية .

وحسب رأي البرفسور الأستاذ هروشكا من تشيكوسلوفاكيا ( فإن القيم الجديدة لا يمكنها أن “تنضج” في فراغ ثقافي ، بل على العكس ، تنمو وتستمر مع القيم الثقافية الموجودة وفي خضم التقاليد ، والأشكال التي ما زالت حية ، تزدهر ). (2) .

المدينة العربية النموذجية هي تعبير صحيح عن الثقافة العربية والتي نظمت حول الجامع الكبير ؛ وهذا الأخير بالإضافة إلى شبكة الأسواق ، هو نقطة مركزية لنشاط الحياة الديناميكية للمدينة .

وبذلك يربط كل الوظائف بعضها ببعض من دينية، وإدارية ، وحرفية ، وتجارية ويؤمن فراغات عامة . ومع هذا الربط نجد انفصالاً واضحاً بين الوظائف العامة والخاصة ؛ كما أن المركز محاط بمنطقة سكنية .

وبصورة أوضح فإن المركز التاريخي لمدينة ما ؛ هو مجموعة من الأبنية تشكل موقعاً، نسيجها العمراني كامل أو شبه كامل ؛ و يُشترط أن يكون هذا المركز ما يزال ينبض بالحياة. والواقع كثيراً من المدن القديمة ، ومراكزها لا يزال قائماً ويمثل تاريخاً متصل الحلقات ويعبر عن حركة مستمرة في النمو والتطور .

* في مراكز المدن الأوربية (1) .

شعرت أغلب الدول الأوربية ، وخاصة فرنسا و بريطانيا العظمى و إيطالية ، والأراضي المنخفضة (هولندة) وبولندة والنمسا وتشيكوسلوفاكيا ، والمجر ، وسويسرة ، وكذلك معماريون عالميون أمثال ( فيوليه كولدوك الفرنسي وكاميللو بوتيو الإيطالي ) بضرورة صيانة مراكز المدن التاريخية القديمة وإحيائها من جديد ، وهي فكرة نبعت من غالبية سكان المدن، وتعتمد اعتماداً كلياً على الموقف الإيجابي والشعور القومي للأفراد ( رجال الدين في النمسا – سالزبورغ عام 1967 ومنطقة مطران فيينا الأعظم وقانون “تعديل وقاية المركز القديم” وقد سُنً في 15/7/1972 وأهميته وقبله إعداد قائمة بالمباني والمنشآت الهامة في عام 1916). (3) وبإحساسهم بماضيهم واعتزازهم بتاريخهم خاصة وإن فكرة صيانة المنشآت التاريخية التي أصيبت بكوارث ( كبولونيا مثلا)؛ كانت ضرورة حتمية لضمان استمرارية الحاضر وربطه بالماضي وإعادة التأهيل للمناطق ذات القيمة تتم خلال عملية الارتقاء برفع كفاءة البنية الأساسية وإعادة تحسين المكان ؛ بدلاً من أن ينتهز المسؤولون الفرص لإقامة عمران حديث . وقد سبقت فرنسا بقيت الدول فأصدرت في 4 آب 1962 قانوناً عرف بنظام حماية وتحسين المراكز التاريخية (4) .

إن الأساليب التخطيطية التي اتبعت لم تكن نظرية أو تصميمية أو تخطيطية فحسب ، بل حية وواقعية ، ولم تكن الطريقة الناجحة المتبعة في دولة ما ، متبعة كما هي في دولة أخرى ، وإنما تم الاستئناس بالخبرات وليس تطبيقها بحذافيرها مثل ذلك: إن فكرة الصيانة التي تبنتها حكومة ألمانية منذ عام 1972 وقادها فرع من منظمة اليونيسكو بإسم “مراكز المدن التاريخية” برئاسة “جيرد ألبيرز” كانت خاصة و بُدئ بها منذ صيف عام 1972 أما في تشيكوسلوفاكيا فإن تخطيط الصيلنة أخذ طابعاً اجتماعياً نظراً لأهمية المنشآت التي بنيت لهذه الغاية سابقاً واستمراريتها وفي هولندة وسويسرة كان هناك احساس تقليدي متوارث لإحياء المدن نابع من الشعور بالمسؤولية والذي يؤمن الأرض الصلبة للجهود المبذولة من قبل حكومتي هاتين الدولتين ، وقد تم أغلب هذه الأعمال من السكان ، أما في إيطالية فإن الصيانة أخذت طابعاً خاصاً ، لاستمرار الحياة المدنية ، نما خلال قرون طويلة واستمر بشكل فيما بعد (5) .

لقد انطلقت الأسس التخطيطية في مختلف مراكز المدن الأوربية من مبدأ صيانة كل ما بناه الإنسان ، ومهيأ للتطوير المستقبلي للحياة المدنية ، وقد لاقى هذا المبدأ استحساناً وأصبح مطلباً سياسياً يعتمد بشكل أساسي على الطبقات العامة والوسطى كالأحزاب السياسية والجمعيات التجارية والكليات التي تهتم بالتعليم البيئي والمدني والتاريخي وكذلك بعض المراكز الثقافية المتقدمة في البلاد .

وإن فكرة إحياء ” المباني التاريخية” التي تبنتها بعض المؤسسات الخاصة ، وحتى بعض الأفراد قد انتشرت في أوربة و شملت مجال تطوير المدينة بشكل عام كمؤسسة “القطاع المصان” في فرنسا و مؤسسة ” المناطق المحفوظة ” في بريطانية و” المراكز التاريخية ” في إيطالية ، و “المناطق المحمية” في مختلف أنحاء النمسا .

إن استخدام الأراضي في إيطالية و استثمارها في مراكز المدن القديمة قد خضع للتقييد الشديد و ذلك اعتباراً من عام 1967 حيث نادراً ما نلاقي مخططات مستقبلية لتطوير تلك المناطق إلى مدينة حديثة . لذا فإن جزءاً كبيراً من مسؤولية حماية المباني التاريخية في هذه المدن والتي تمثل ثروة قومية ضخمة ، محمية من قبل القانون الذي ينظم تخطيط المدن وإنشاء المباني في المناطق المذكورة .

السؤال الذي كان يُطرح دائماً في أوربة ما هي الجهة الرسمية المسؤولة عن حماية وصيانة المراكز التاريخية ؟ ففي المجر تقع المسؤولية على وزارة الإنشاء التي تفرض إجراءات حكومية معنية تعطى الأفضلية لصيانة المراكز التاريخية .

أما في بريطانيا فتقع مسؤولية الإشراف على هذه الأعمال على الجهة أو السلطة المهتمة بتخطيط وتصميم البنية ، والتي تحتك احتكاكاً مباشراً مع الأبنية التاريخية أي توزيعاً في المهمات بين السلطات المركزية و المحلية .

في فرنسا تؤمن مؤسسة “لوي مالرو” عملية الإشراف وتتحمل مسؤولية حماية الأبنية التاريخية ، وتقوم بتأمين المستلزمات الضرورية لأعمال الصيانة والترميم المعماري للمباني التاريخية ، كما يوجد في كل سلطة محلية مهندس مسؤول عن حماية وصيانة الأوابد التاريخية .

في مختلف البلدان الأوربية المهتمة بصيانة مراكزها التاريخية ، اشتركت السلطات و الشركات الخاصة بإعداد الدراسات التمهيدية بشكل دوري وظهر تباين واضح في بعض النتائج المستقاة في بعض الدول ، وخاصة في الدراسات التي تأخذ بعين الاعتبار الحلول العملية الواقعية للتخطيط المسبق لأعمال الترميم ؛ وضرورة إشراف أخصائيين يتمتعون بخبرات عالية وكفاءات نادرة ، أحد الأمثلة الرائدة هو : أعمال الإحياء في مركز مدينة “كراكوفا” ومدينة ( وارسو ) حيث تعمل بعض المنظمات و الدوائر الحكومية ذات الأهداف المتماثلة ، بينما يلاحظ نقص كوادر التخطيط بأعمال الصيانة في بعض المدن الألمانية .

إلى جانب التخطيط العام ، يوجد تخطيط خاص ، ويشمل ترميم مناطق محدودة ، معًدة مسبقاً لأعمال الصيانة فيها بشكل فوري وبكثافة كبيرة ؛ ولكن يجب ” العمل ببطء ” وقد نُصحت الحكومة الألمانية بإتباع هاتين المرحلتين ؛ أو استشارة “حركة تخطيط المدن والتطوير المدني العمراني ” .

لقد أخذت في أوربة بشكل عام تدابير عامة أهمها :

1- استملاك بعض المباني المتميزة في مراكز المدن .

2- وضع القيود على أنماط المباني الحديثة التي تُنشأ في هذه المراكز ، وغدت تحاكي وتماثل نمط البناء القديم ( حالة إيطالية ) .

3- أُخذت الإجراءات الفورية لتخفيض الضغط السكاني على مراكز المدن من ازدحام المواصلات وتمركز الخدمات ، وذلك عن طريق إنشاء مراكز حديثة وقريبة من المراكز القديمة لتحل محلها ، وتخفف الضغط عنها ( مثل الإجراءات المأخوذة في كرافوفا و تورون و كولمار ) وبشكل عام أخذ بعين الاعتبار أثناء تصميم وتخطيط مراكز المدن : تجنب تثقيل مراكز المدن التاريخية بالخدمات والنشاطات المختلفة فيها ، بل يجب أن تكون هناك نشاطات وخدمات محدودة مدروسة ، و ذلك بعد إجراء الدراسات المبنية على الواقع العملي وإجراء التحليل العلمي الدقيق على نتائج هذه الدراسات ؛ وإن أية مباني جديدة مفترضة يجب أن يفكر بها مسبقاً لتندمج وتنسجم مع المباني الموجودة ذات القيمة المعمارية التاريخية ( فيينا – النمسا ) .

لقد كان التخطيط الاجتماعي مطلوباً بإلحاح أثناء دراسة التطوير العمراني لمراكز المدن القديمة بشكل خاص كما هو مطلوب بتخطيط المدن بشكل عام ، وقد حدث انعكاس سلبي أوجده تغيير حصل في السكان في بعض مراكز المدن( كما في ماستريخ و كولمار ) واهتمام بالمنشآت السكنية الخاصة ؛ لذلك تم الاتفاق على أن تترافق بعض المبادئ مع فكرة ترميم المنشآت الاجتماعية .

* مبادئ تطوير المراكز التاريخية :

1- مبادئ إعادة سكان المباني المرممة والمجاورة لها أو أن تشتري سلطات المدينة المباني التي ترممها وتعوض ساكنيها ، عندئذ تزود المباني المرممة بشقق حديثة مريحة فتبدو وكأنها ثروة تاريخية لا تقدر بثمن .

2- دراسة ميكانيكية الحركة للسكان .

3- نوعية الناس واستبعاد المواطنين الذين لا يهتمون بالمباني التاريخية .

4- خلق التوازن الاجتماعي الضروري ضمن الحيز الواحد .

5- بحث موضوع الآجارات وإشراف الدولة ( بولونيا و هنكاريا ) بحيث يرتبط بدل الآجارات مع دخل الفرد واختياره حسب المكانة الاجتماعية وليس حسب إمكانية الدفع ( ألمانية ) المهم أن يهتم الساكن بالصيانة بالدرجة الأولى وخلق الرغبة لديه بذلك .

أخيراً يجب خلق نوع من المشاركة ، في تطوير مراكز المدن التاريخية ، لدى الأفراد المهتمين ، واكتساب خبرات جديدة متطورة ( شركة : جماعة المدينة الحديثة في إدنبره ،شركات مشابهة في برغامو ) و العمل بتخطيط زمني ؛ فمقدرة شركات الإنشاءات وإمكانيات المنظمات الوطنية محدودة ، لذلك يجب القيام بأعمال الترميم على مراحل صغيرة وبمدة طويلة (ماستريخت و برغامو ) وقد تستدعي الأمور تأسيس شركات واسعة للقيام بمشاريع ضخمة ، وخاصة في المشاريع التي تأخذ فيها أعمال الترميم أهمية سياسية. وفي غالبية الحالات يُتبع أسلوب ترميم المجموعات السكنية الصغيرة مع بعضها ؛ أي مجموعة إثر مجموعة أخرى ضمن خطة عامة موضوعة تشمل كامل الحي (كراكوفا) وقد يُتبع أسلوب ترميم مترل إلى آخر ضمن ترميم شامل للحي (تشيسلي كروملوف ) . وأحياناً تتبع طريقة الصيانة للمترل المنفرد من قبل مؤسسات متخصصة (حالة امستردام القديمة ). إن إتباع إحدى الطرق السابقة يخضع للظروف والمعطيات – كما أن لكل طريقة مساوئها ومحاسنها وفي كل الحالات يجب التأكد من الإمكانات المتاحة ، المادية والاجتماعية وتوفرها(فرنسا و إيطالية ) .

يقوم المتعهدون الوطنيون أحياناً بأعمال الترميم ؛ بشكل افرادي (ب .م فيلدان قاد في شسترفيلد مجموعة متعددة الأنظمة الخاصة بالمحافظة و الصيانة و قد ربحت تلك المجموعات ميدالية “أوربا نوسترا” لعام 1982 ) . أو بشركات أو مؤسسات ( مؤسسة الاعتماد الوطني في بريطانيا ، مؤسسة المعهد التاريخي الوطني السويسري ، مؤسسة ايتاليا نوسترا و قد خلقت في إيطاليا اهتماماً جماهيريا ًو أثارت أفكاراً جماهيرية عن طريق المناقشات و المحاضرات حول أهمية الترميم الأثري و في فرنسا مؤسسة “القطاع المصان” و مؤسسة “لوي مالرو” و في “المناطق المحمية” و في فرنسا و هولندة و ايطاليا “الجمعيات الخيرية للمنازل الشعبية” وفي ألمانية مؤسسة “تمويل تخطيط المدن”

وفي الحالتين تجب مشاركة الخبرات المتوفرة في البلديات ؛استشاريين ومهندسي تخطيط (في فرنسا شركات مختلفة عامة وخاصة ) والأفضلية دائماً لترميم وصيانة العناصر المعمارية ككل وليس فقط الترميم السطحي التجميلي المتبع في بعض الأماكن . وقد توجد مؤسسات تهتم بـ :

– الصيانة والترميم والحفاظ وتتحمل مسؤولية : التخطيط والدراسة والتحضير والتنفيذ (بولونيا) وتأخذ آراء أمناء المتاحف والمعماريين ، وحتى طلاب العمارة والفنون الجميلة والتاريخ، كما تتم الاستفادة من خبرات الحرفيين الذين يعملون بالمهن اليدوية ،و هذه يجب أن تُشجع و تكون أكثر فنية .

– التمويل والدعم الحكومي : تنوع التمويل العام للمشروع وأخذ إجراءات عديدة نذكر منها أهمها :

1- فرض ضرائب بلدية خاصة و أجرة إضافية من الرسوم المدفوعة من أجل التلفزيون والإذاعة العامة من قبل المستمعين والمشاهدين عرفت بإسم “الشلن الثقافي” (فيننا و شيستر … فرضت ضريبة السنتيم ) .

2- هبات تمنح من قبل الأفراد (فرنسة و هولندة و إيطالية بإسم الجمعيات الخيرية للمنازل الشعبية ) .

3- إعانات مالية من قبل البلدية (هولندة ) .

4- تمويل خاص لمشاريع خاصة لها مبرراته السياسية الملحة (البيرو 1978 ومنحة ألمانية من شركات البترول و4500000 دولار خلال خمس سنوات ) .

5- إعانات جماهيرية عن طريق مؤسسات خاصة ( مؤسسة تمويل تخطيط المدن ، التمويل العصري للمدن ، التمويل الخاص للصروح المعمارية ، التمويل الخاص للنصب التذكارية ) .

6- مشاركة مالكي المباني التاريخية ؛ مقابل إعفائهم من الضرائب و الرسوم البلدية (فرنسة) و قد أثبتت حوافز الضرائب بأنها أفضل الوسائل المريحة لإنجاز المحافظة و الصيانة ، أو أن يمول المقيمون في المباني مشروع الإحياء بمواردهم أو من إيجارات عالية يفرضونها (فيينا– النمسا ).

7- التمويل الحكومي لجميع الصروح التاريخية إذ أنها مملوكة للدولة (تشيكوسلوفاكي: المعهد الدولي لحماية الصروح و الحفاظ العام و مقره بالجزء التشيكي في مدينة براغ ، و في الجزء السلوفيني في براتيسلافا ، إضافة إلى مهمة الدولة عن طريق ” معهد إعادة بناء المدن التاريخية و الصروح ” و مقره براغ ) .

8- تمويل خاص من الأمم المتحدة الصندوق الدولي ،يتناول تدريب الأخصائيين و الترميم و إعادة الإحياء و ترويج الثقافة (هراة أفغانستان ) .

* في مراكز المدن العربية :

تمتلك المدن العربية نموذجاً متميزاً من التراث ذي القيمة ، على مستوى العالم وعدده كبير جدا؛ً فتعددت بذلك الرغبة في الحفاظ عليه من قبل الهيئات الحكومية ، والمنظمات غير الرسمية ؛ وتأتي معارف العصر الحديث لتفتح آفاقاً شاسعة للمهنيين لممارسة إبداعاتهم وأفكارهم للحفاظ على تلك المناطق التي حاول المخططون جمعها في ثلاثة أمكنة :

1- المنطقة التاريخية التي تحمل ملمحاً تاريخياً .

2- المنطقة التقليدية التي تجمع بين القديم و المعاصر .

3- المنطقة المفتوحة الجاهزة للتنمية المستقبلية .

وقد ارتكز الفكر التعليمي على ثلاثة توجهات للحفاظ وإعادة التأهيل :

آ- تحسين النطاق الأثري القائم .

ب- الارتقاء بالنطاق التقليدي .

ج- تنمية النطاق الحديث .

وبالجملة فإن هذه المناطق ستكون محطات لتشجيع السياحة ، فضلاً عن الحفاظ على التراث وسنتطرق ، لإعطاء فكرة واضحة عن ذلك ، لتجارب بعض المدن العربية .

تجربة السودان :

في عام 1992 بدأت دراسة القطاع المحاذي للنيل في قلب مدينة الخرطوم ، والتنسيق بين السياسات والسلطات في مجال التنمية العمرانية . وفي موقع جرش ، أدت المشاكل التي عانى منها وسط المدينة ، وتتلخص في افتقار الرابط بين جزئي المدينة القديمة ، واكتظاظ المنطقة المحيطة بالمنطقة الأثرية بالأبنية السكنية ، مما أدى إلى تداخل الأبنية مع المنطقة الأثرية . وكذلك الخلط في استعمالات الأراضي حيث مركز المدينة ، وعدم الشعور بأهمية الأنماط المعمارية المتنوعة . كل ذلك أدى إلى الاهتمام بمركز المدينة وضرورة البدء بخطة متكاملة لتطوير مركز المدينة ؛ فوضعت المخططات التنظيمية ،وأصبح من الواجب على الجهات المختصة القيام بتنفيذها وتوفير الحوافز الاقتصادية وتعديل القوانين ، وإعادة النظر في استخدام الأبنية الأثرية . ولما كانت أعمال التمويل غير متوفرة ، فقد تم اقتراح التعاون مع الدول العربية الأخرى ، خاصة للإطلاع على التجارب التي تمت والأخطاء واختصار المدة الزمنية .(6)

تجربة مصر :

أما في مصر، فقد بدأ الاهتمام بتطوير القاهرة الفاطمية ، ووضع له مركز دراسات وتطوير ، وتم اقتراح إشراك ممثلي السكان ، ويتم التنسيق الكامل فيما بينها لصنع واتخاذ القرار ، في مشروعات التنمية ، وقد أشارت حقائق الوضع الراهن إلى أن إسهامات المواطنين في مشروعات التنمية المحلية بمختلف مدن وقرى مصر شكلت نسبة تزيد على 80% من التكلفة الكلية لهذه المشروعات ( مساهمات نقدية ومجهود في صورة عمالة ) .(7)

تجربة فاس :

أما فاس ، فقد اعتبرتها منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) المدينة الإسلامية الأولى ، غير أن ظروفها التاريخية والديموغرافية ، فرضت الاهتمام بإحيائها ومن أهم الأسس التخطيطية التي وضعت :

1- مخطط تنظيمي أولى المراكز الحضرية ، أهميةً خاصة ، وحدد إطار نمو المدينة .

2- التوسع شرقاً بعمران إسلامي قريب من عمران المدينة القديمة لامتصاص فائضها السكاني .

3- دراسات ميدانية لواقع المدينة القديمة و تحديد المشاكل التي تهددها .

4- تحديد طرق إنقاذها ( إعادة تأهيل – ترميم – إصلاح ) .

وبتضافر الجهود الدولية لمنظمة اليونيسكو والخبرات العالمية ، مع الجهود المغربية المحلية ، والخبرات الوطنية الواعية . وضعت الخطوط العريضة لمشروع إنقاذ مدينة فاس الذي يُعنى بالحفاظ على أسس ومقومات المدينة القديمة وإحيائها وتنميتها ضمن محيطها العمراني ، ويشمل :

1- مشاريع الإنقاذ .

2- الكلفة و التمويل .

3- الإجراءات التنظيمية .

وضعت مجموعة من اللوائح التنفيذية والتشريعات القانونية ، وبدأ العمل بإنشاء هيئة رسمية تدعى : “وكالة انقاذ مدينة فاس والتخفيض من الكثافة ” .

قبل أن ننهي الحديث عن تجربة مدينة فاس ، لا بد من كلمة توضح المشاكل العامة التي تشترك فيها المدن العربية ، وطبيعة العلاقات التي تربط بين قطاعين يبدوان متناقضين في كثير من الأحيان : القطاع التقليدي المتدهور باستمرار ؛ والقطاع الحديث الدائم الحيوية والنشاط والتجدد .

وحتى تتبلور الأسس التخطيطية المذكورة آنفاً كان لا بد من تركيز البحث على دراسة مقارنة نجريه بين تجربة أوربية وهي تجربة مدينة وارسو في بولونيا التي تقدم لنا الكثير من الدروس التي يمكن أن تفيد منها مدننا العربية ومراكزها التاريخية وبين تجربة مدينة حلب القديمة (8).

في مدينة حلب القديمة :

ليس من مجال للتحدث عن أهمية مدينة حلب القديم بالتفصيل في هذا البحث ، فهي النموذج الأهم للمدن القديمة ، وترقى إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد ، وهي صورة ماض عريق ، جذابة ، تتمتع بعمارة مشهورة على مستوى العالم مساحتها 400 هكتار ، ويسكنها 106000 نسمة ومركزها مفعم بالحركة والنشاط .

تشترك مع كل مراكز المدن القديمة ، في مشكلات متشابهة ومتعددة ، ويعاني سكانها ونسيجها العمراني من أخطار ؛ فضلاً عن البنية التحتية المتدهورة ؛ وإن تركز الوظائف المركزية ، التي تخدم المدينة ككل ، في المدينة القديمة ، قد أدى إلى حركة مرور سيئة للسيارات والمشاة على حد سواء .

مخططات تنظيمية فرضت في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين ، لإيجاد حلول لمشاكل المدينة القديمة ، أزالت عشر المدينة ،و قسمت الأحياء إلى جزر تعزلها الشوارع العريضة ، التي بنيت على طرفيها الأبنية الطابقية بالاعتماد على ضابطة بناء غريبة تماماً عن الشكل التقليدي .

سجلت المدينة القديمة بكاملها ، داخل الأسوار وخارجها كمنطقة تاريخية 1978-1983 ، وأعلنتها منظمة اليونيسكو موقعاً للتراث العالمي عام 1986 .

في عام 1992 كلفت بلدية حلب مع رئاسة مجلس المدينة لجنة لإعداد مخطط تنظيمي كما أسس في العام نفسه “مشروع إحياء مدينة حلب القديمة” و تقوم مجموعة من المخططين والمعماريين والمهندسين بإعداد مخطط ارتقاء طويل الأمد ، وخطة عمل قصيرة ومتوسطة الأمد كما تساهم في بعض إجراءات التحديث .(9)

من أهداف الأسس التخطيطية الرئيسية :

1- تحديد أي جزء من المدينة القديمة يجب الحفاظ عليه ؟

2- تحديد أي قسم منها يجب أن يوجه باتجاه وظيفة جديدة ؟‍‍‍

أما الأهداف الملحقة :

1- تحسين الظروف المعيشية المتداعية في المدينة القديمة .

2- المحافظة على التنوع الاجتماعي والاقتصادي الثمينين .

ولتحقيق هذه الأهداف يجب العمل على :

1- إعداد مخطط ارتقاء

2- إعداد إطار مؤسساتي ومالي لعملية الإحياء .

3- محاولة تعبئة الجهود الرسمية والخاصة ، الداخلية والخارجية ، لتنفيذ مخططات العمل ، وبشكل خاص تعبئة السكان للمساهمة في جهود الإحياء .

يجمع أسلوب التخطيط في المدينة القديمة بين مبدأي : “القمة إلى القاعدة” أي يجري تنفيذ العمل بفرض حماية بعض المواقع القيمة ، وتوجيه التغيرات بحيث يكون ذلك ملائماً ومطلوباً ، بفضل صناديق متعددة : صندوق الإحياء ، صندوق البنية التحتية صندوق الطوارئ وأخيراً الصندوق الدولي ؛ وهنا لسنا في مجال بحث التفاصيل.

في أهداف الإحياء ؛ اتجاه الاستدامة ، أي اتجاه الاستقلال ؛ استقلال في حق اقتراح الخطط و تنفيذها ، واستقلال في إدارة ميزانية خاصة ، أي أن تكون مؤسسة الإحياء “مديرية” من مديريات المدينة بشكل عام .

وفي تطوير استعمال “الأراضي” يجب أن تكون أولوية السكن مع اعتبار الاستعمال التجاري ، وتأتي بعد ذلك المناطق السياحية والمختلطة . وتثبيت نسبة إشغال الأرض بفرض حماية المساحات المفتوحة ، ولئلا تكون عرضة للمضاربات العقارية ، هذا مع تأسيس “مناطق خضراء” في أطراف المدينة القديمة إضافية لاستعمال العامة ، والمحافظة عليها . أما المرور والمواصلات ، فقد أخذت حيزاً من أهداف التخطيط ، لتمنع السيارات الخاصة من الدخول إلى مناطق معينة وضمان إمكانيات وصول آليات الطوارئ والمعاقين ، وتنظيم مواقف سيارات كافية ، وتعزيز شبكات حركة المشاة .

طلبت الحكومة السورية من منظمة اليونسكو المساعدة في عام 1979؛ فَوُضِع تقريران حول إيقاف تنفيذ مخططات تنظيمية سابقة ، و التقليل من أضرارها على المدينة القديمة . و في عام 1983، و بعد مؤتمر دولي حول إحياء حلب القديمة و توصياته بالترميم و اعتماد توصيات منظمة اليونسكو تم اعتبار حلب موقعاً للتراث العالمي 1986 .

في عام 1991 تم طلب المساعدة و الدعم من الحكومة الألمانية ، و من الصندوق العربي للتطوير الاجتماعي و الاقتصادي في الكويت .

و تم تكليف GTZ من قبل الحكومة الألمانية بإدارة المساهمة الألمانية أما الأفق الزمني المتوقع ، فهو طويل الأمد يسير خلالها المشروع وفق خط يتوافق مع المصالح المتضاربة ، دون التقييد بموعد نهائي ثابت . و رغم ذلك فقد أعدت مخططات لعدة مناطق مثل : مخططات المواصلات ، المياه و الصرف الصحي، المخططات الاقتصادية و البيئية ، وستشرح للمواطنين و لمالكي العقارات و المستثمرين ؛ كما تعرض على المؤسسات لتوحيد جهودها .(10)

هَدَف نظام التمويل إلى تنشيط الجهود وفق أهداف التخطيط التي تناولت :

1- إصلاح البيوت الخاصة المهددة بالانهيار و لها اعتمادات في صندوق الطوارئ تدفع مساعدات لمالكي البيوت الخاصة أما بيوت القطاع العام – الأوقاف و ملك الدولة – فيدفع لها إعانات مالية .

2- تجديد البيوت الخاصة و اعتماداتها من صندوق الإحياء .

3- تحديث الشبكة التحتية و اعتماداتها من صندوق الشبكة التحتية .

وفي المرحلة القادمة سيتم إنشاء صندوق لإعانة الاستثمارات الصغيرة و المتوسطة الذي سيدعم البيئة الاقتصادية ، والقاعدة الاقتصادية لهذه الاستثمارات وفق المنهج الاقتصادي المخطط للمدينة القديمة .

كلمة أخيرة عن المشاركة السكانية في عمليات التخطيط و التنفيذ ، وذلك بأخذ تقاليدهم و خبراتهم بعين الاعتبار : منهم الفئة المستهدفة ، و منهم المستفيدون بشكل مباشر من نشاطات المشروع .

وهدف آخر هو تحسين مستوى الحياة في المدينة القديمة . أما عن المشاركة باتجاه تطوير العمل في المدينة القديمة و تثبيت وظيفتها كمركز لتأمين العمل بكافة أشكاله ، و السماح بنشوء وظائف جديدة لزيادة التنوع في المجال التجاري و الخدمي فيها ، ثم تهيئة فرص مهنية جديدة في المجال السياحي ؛ كل ذلك مشاريع قيد البحث و الدرس و الإنجاز . (11)

تجربة مدينة وارسو – بولندا

بدأت المدن الأكثر تضرراً وخراباً بمشاريع إعادة البناء ولعل التجربة البولندية متمثلة بإعادة إعمار المركز التاريخي لمدينة وارسو واحدة من أهم التجارب الأوربية التي سبقت التجارب العربية في إعادة تأهيل المدن القديمة بما لا يقل عن ربع قرن من الزمن .

وارسو القديمة

– قامت مدينة وارسو القديمة حول ساحة تجارية تحيط بها مبانٍ سكنية تعود إلى الفترة الغوتية وامتدت اعتبارا من مركز الدوقية المسماة MAZOWIA .

– تبلغ مساحة المدينة القديمة حوالي 18 هكتاراً .

– أحيطت المدينة بأسوار مضاعفة ومدعمة بأبراج وعناصر داعمة وبوابات ، ما عدا الواجهة المقابلة للنهر فهي مبنية من جدار وحيد غير مضاعف لأنه يؤمن الحماية بسبب الانحدار الشديد نحو النهر .

– بدأ أول بناء للأسوار عام 1339 وانتهى بنهاية القرن (حوالي 1400) .

– تبلغ المسافة بين جداري السور المضاعف من 9 إلى 14 متراً .

تتراوح سماكة الجدران من 0.9 م إلى 1.5 م . ويتراوح ارتفاعها من 6.5 م إلى 8.5 م

– تخرب السور أثناء الحرب مع السويد بين (1657و1704) ، فتم تدعيمه بواسطة دعائم طائرة ومنذ ذلك التاريخ بدأ بناء السكن بشكل متاخم للسور من الداخل كما بنيت عليه مخازن تجارية نحو الداخل حيناً ونحو الخارج أيضاً حيث بدأ توسع المدينة في أكثر من اتجاه

– أخذ القصر الملكي ( القلعة الملكية ) شكله الحالي حوالي عام 1800 .

– قام أول بحثٍ نظامي في المدينة القديمة بإزالة امتدادات المباني السكنية المواجهة للسور الداخلي في عام 1937 بإشراف الأستاذ ( زخفا توفيتش ) وقد ساعدت الحرب العالمية الثانية على كشف هذا الجزء المختفي من السور .

– خرجت مدينة وارسو من الحرب العالمية الثانية بمأساة بشرية وعمرانية مفجعة ففي كانون الثاني 1945 كانت المدينة مغطاة بتلال من الركام والرماد والخرائب يقدر ب/20/ مليون م3 .

– قتل حوالي 800.000 نسمة أو ما يعادل 2/3 من سكان وارسو في عام 1945 .

– خرب حوالي 85% من المدينة فمن أصل (987) معلمٍ تاريخي كان قائماً قبل عام 1939 خربت النازية (782) منها تخريباً كاملاً .

– تأسس مكتب إعادة بناء العاصمة (BOS) في 1 شباط 1945 .

– عقد المؤتمر الأول لمنظمة وارسو لحزب العمل البولندي في/25-26/ شباط بشأن إعادة بناء المدينة .

– في 7 آذار 1945 قدم مكتب إعادة بناء العاصمة إلى المجلس الوطني مقترحاته الأساسية لمخطط إعادة إعمار وارسو .

– في 26/ت1/1945 أصدر المجلس الوطني قراراً يقضي بتأميم الأراضي ضمن حدود المدينة تسهيلاً لعمليات شق الشوارع والجسور والطرقات وإعادة البناء والتوسع المرتقب للمدينة .

– كان عدد سكان وارسو في ك1 1945 يبلغ 473600 نسمة أي بزيادة 310000 مواطن عن سكانها يوم حصلت على حريتها وكلهم من سكان المدينة الأصليين الذين عادوا إلى موطنهم الأم ولم يبلغ عدد سكان وارسو المليون نسمة قبل بداية عام 1955

– في 4/ك2/1946 عقدت الحلقة الدراسية الأولى (سيمنار) للمجلس المركزي لمشروع إعادة بناء وارسو ونوقشت الملاحظات والإضافات والتعديلات اللازمة .

– يستغرق إعادة البناء 6 سنوات وقد صوت عليه اتحاد العمال البولوني في 5/تموز 1949 .

– في 16-18/ت2/1950 انعقد المؤتمر العالمي الثاني للمدافعين عن السلام وقرر المؤتمر منح وارسو جائزة شرف السلام .

– نشأت في الفترة ما بين 1946-1951 فرصة فريدة لإعادة بناء السور حيث تم إظهار الدبش الأساس وبدأت عمليات الحفاظ على السور .

– ما بين عامي 1953-1954 تمت إعادة المدخل الجنوبي للسور(الحصن) Barbikan بإشراف الأساتذة PodlewskiوTomaszewski .

– تم الكشف عن الجدران المتاخمة للقصر الملكي والحفاظ عليها بمتابعة Widawski ما بين عامي 1958-1963 حيث أعيد معظم أجزاء السور المتبقية إلى أمكنتها وأعيد واستكمل بناء بعض الأجزاء الناقصة .

– في عام 1977 اكتشف جسر يعود للعهد الغوتي محمول على زوجين من الأعمدة ذات الأقواس المنتهية بنقطة وقد أعيد بناؤه في 1983 .(12)

الأسس التخطيطية لإحياء المركز القديم لوارسو :

بعد استكمال الظروف العامة والإجراءات القانونية والتنظيمية باشر المكتب المسؤول عن إعداد مشروع إعادة إنشاء العاصمة البولندية اقتراحاته لإعادة تنظيم المدينة القديمة ونلاحظ في مخطط إعادة البناء التوجهات الرئيسية التالية :

– إيقاف المواصلات عند حدود الأسوار وعلى ضفاف المدينة القديمة وجعل المدينة ضمن الأسوار للمشاة حصراً .

– أول ما نلاحظ في مخطط إعادة البناء بعد عزل حركة السيارات عن المشاة هو فصل الكتل السكنية عن جسم السور لتحريره وإظهار وكشف معالمه الداخلية تماماً بنفس السوية التي تم فيها كشف أجزائه الخارجية وتحريره من كل الإضافات المشوهة .(السكنية غالباً) التي ألحقت عليه بفعل التراكم المعماري عبر مراحل تطور المدينة وتوسعها خارج الأسوار.

– فتح بوابات /معابر/ إضافية في السوار عدا البوابات الأصلية الموجودة لتمهيد لربط المدينة القديمة بمعابر أساسية للمشاة (من الجهة الغربية الجنوبية) واستمرار هذه المعابر للمقيمين (السياح) للانتقال من مستوى الساحة لمستوى كورنيش النهر عبر منحدرات طبيعية مع خطوط الميل أو أدراج حجرية .

– بناء على هذا التوسع في فتح المعابر وبالمقارنة مع مخطط /1939/ نلاحظ إضافة أو حذف بعض أجزاء من العقارات الواقعة على أطراف التنظيم المقترح عمرانياً إما لضغط متوقع في حركة المشاة أو حلاً لمشكلة موجودة قبل الحرب ، مما فتح إمكانيات كبيرة أمام إعادة تشكيل المدينة والحفاظ عليها بما يزيد من قيمة تلاؤمها والاحتياجات المستجدة .

– معالجة كل جزء ناتج عن هذا التنظيم (كل قطاع أو شريحة) ككتلة متكاملة مع ذاتها ومع الجوار خصوصاً فيما يتعلق بخلق ساحة داخلية إن لم تكن موجودة أصلاً أو بتوسيع عدة ساحات ضيقة لتكبر الباحة الخلفية التي تتنفس منها الشريحة .

– كما تم خلق محاور خلفية أو التأكيد على المحاور الخلفية للباحات الداخلية التي تنفتح عليها معظم البيوت كاتجاه متمم حيناً ومعارض حيناً آخر لإعطاء الهدوء والخصوصية وعزل الحركة لحركة الساكنين عند السياج .

– استحداث فتحات أو أزقة في المدينة القديمة في مواقع الشرائح المتطاولة أو المبالغ في استطالتها حتى لا يقطع المار مسافة طويلة وقد روعي أن تكون هذه الأزقة (عرضية) واصلة بين شارعين متوازيين يؤديان إلى الساحة المركزية ليكون حذف العقارات في حده الأدنى الممكن ولإظهار برج كنيسة من جهة جنوب غرب الزقاق .

– محاولة التقليل من عمق العقارات الموازية لخط النهر بحيث تم فتح بوابات مؤدية لباحات داخلية وحدائق مطلة على النهر ومتصلة به ، والتوصية بإلغاء بعض العقارات لفتح زوايا رؤية واسعة للإشراف على النهر .

إلا أن هذه التوصية لم تنفذ وتم التخلي عنها لأغراض أخرى تنسجم والاحتياج السكني أو الخدمات وللاستثمار السياحي (بناء مسرح) ومركز ثقافي .

– قيام محاولات لتوظيف الساحة المركزية وتفعيلها معظم ساعات الزيارة

وخصوصاً في أيام الآحاد بالموسيقا والحفلات الشعبية ، كافتيريات أرصفة ، استعراض شبابي هاو ومحترف ،مبان ذات صفة أخرى تشغل المدينة القديمة ، قصر أعراس على محور المدخل وتمثال سيمون ، المكتبة الملكية المؤلفة من ثلاث طوابق تابعة لقصر القلعة ، ويشغلها حالياً Senior Architekt مكتب المعمار الأول .

– لم يتم الحفاظ على البوابة التي كانت تنطلق منها الاحتفالات الملكية لأسباب عدم التوافق مع العصر حيث تم فتح شارع من جهة Senatorska

– نقل تمثال الملك زيغونت (سيمون) الثالث بضع خطوات باتجاه النهر كي يتم استيعابه بصريا من قبل المشاة من أبعد مسافة ممكنة على امتداد شارع Przedmiescie Krakowskie الذي يزدحم بزوار المدينة القديمة على مدى أيام الأسبوع. (13)

ملاحظات عامة :

عند إعادة النظر في تخطيط مدينة ما ، فإن مصطلح إعادة البناء يدخل في صلب تلك العمليات والنشاطات التي تندرج تحت عنوان التنظيم أو التخطيط ولعل مصطلح “التحديث” Modernizaton واحد من أوسع المصطلحات وأدقها في التعبير عن مجموع النشاطات المتعلقة ببرنامج تخطيط وتنفيذ أفكار من هذا النوع ضمن نسيج تقليدي لمركز مدينة تاريخية قديمة ، تختلف باختلاف المدينة التي نعالجها ونجعلها موضوعاً للبحث ، كما يختلف استخدام المصطلح باختلاف موقفنا العلمي منها كمهندسين معماريين عاملين في فريق الإحياء والترميم أو موقفنا الذاتي كسكان في الجزء القديم منها .

يميز (أمبرتو إيكو) ECO Umberto بين ثلاث أسس للتعامل مع الماضي :

الأول : هو موقف القبول Acceptation

الثاني : هو موقف الرفض Negation

الثالث : موقف توفيقي يحاول قراءة الماضي بشكل معتدل ReinterPretation وهو بعرضه لهذه الأسس – المواقف الثلاثة إنما يحدد بشكل آلي موقفه الخاص وبفعل اختلاف المستويات الحضارية والثقافية واختلاف الحالة التقنية واختلاف هدف التشكيل الفراغي فإلى جانب مصطلح Modernization تقف مرادفات أخرى تتداخل معانيها أحياناً مع المصطلح الأساس .

يصادفنا أيضاً مفهوم Conservation ، ولطالما يحكي الأوربيون عن مدرسة بولندية في الحفاظ عن العمارة القديمة . إن Conservation هو مجموع النشاطات التي تعيد الحياة فقط للمباني الأثرية بناء على القوانين الحقوقية المتعلقة بالمدينة القديمة ، وبهذا المعنى يتداخل مفهوم Conservation الحفاظ أيضاً بمفهوم Revalorization ويتشابه أكثر فأكثر مع مفهوم التحديث Moderization .

ويرد معنا أحياناً في الكتب مصطلح (Adaptation تكييف) وهو أيضاً متعلق بالمباني ذات الطابع القديم التي قدمها لنا الماضي والمصطلح كما يقدمه الأستاذان (Gruszecki & Lysiak) ويشاك وغروشيتسكي بالتعريف هو (محاولة تنظيم تعتمد على مدى مطابقة المبنى موضوع البحث لأغراض المنفعة الاجتماعية المعاصرة) وبنفس المعنى ونقلاً عن (النسخة الجديدة من وثيقة أثينا) يكتب المعماريان المذكوران (ونجد تعابير توضح ما نذهب إليه بل تتمّمه ، علينا أن نحافظ على التكوينة المعمارية للمباني القديمة وما يحيط بها) .

وفي المرادفات المستخدمة في الكتب ذات الاختصاص نجد تعبيري Revalorizayion وRenovation يستخدمان بنفس المعنى أيضاً . (14)

نتائج وتوصيات :

عزل حركة المشاة عن حركة السيارات وتخصيص حرم ما داخل السور للمشاة حصراً وهو هدفٌ نسعى إليه في مراكز مدننا التاريخية في سورية وان أصبح تنفيذه أملاً بعيد التحقيق في الظروف الراهنة .

الحفاظ على الوظيفة السكنية في المدينة التقليدية وتثبيت السكان وتعميق وعيهم بأهمية التراث الذي يملكونه ويحافظون عليه ويقيمون بين جدرانهم وتحت أسقفه التي تنتمي لطرز معمارية مختلفة .

مشاركة الناس في عملية إعادة البناء ، فقد علمت الضائقة الاقتصادية في بولندا ما بعد الحرب ، كل فئات الشعب ، والحاجة أم الاختراع ، أن مشاركة كل إنسان في عملية إعادة بناء المدينة المنكوبة هي واجب وطني لا بد من القيام به وبدون تكليف من أحد وهذا لا يعني أن تصل العملية إلى درجة من الفوضى لا يمكن ضبطها ، لقد شاركت كل الفئات على اختلاف مستوياتها تحت إشراف لجنة تحسن توزيع الأدوار وتتابع إنجازها حتى النهاية بشكل جيد .

لا يوجد مقدس في العمارة التقليدية إلا بمقدار نفعيته لحاجات الإنسان المعاصر دون المساس بحرمة الأثر ودون تقديم إيقونية الأثر على المبدأ الذي يقول : لماذا ولمن أعيد بناء هذا الأثر وأرممه وأوظفه ؟

وحتى في إعادة بناء بعض الكنائس والكاتدرائيات التي بلغ تنفيذها درجة كبيرة من النجاح في دقة التفاصيل لم يمنع ذلك من إجراء تعديلات حديثة كتوسيع شارع أو حذف بوابة ملكية لا تتوافق مع روح العصر أو نقل تمثال هام بضعة أمتار من مكانه التاريخي للحفاظ على الدراسة البصرية لمحور شارع يصب في المدينة القديمة .

إن العمل على إنجاز التفاصيل الدقيقة التي تحتاج إلى حرفية عالية المستوى يجب أن لا تحجب عيوننا عن عملية استراتيجية إحياء المدينة بشكل عام والعكس بالعكس وقد تعلمنا في مراكز المدن القديمة في سورية أن نقوم بإحياء كتل متوزعة بشكل فردي ونقطي دون الأخذ بعين الاعتبار التكامل والانسجام بين هذه المباني مجتمعة وهي إحدى أهم مبادئ التعامل مع نسيج تقليدي لا نكاد نجده في معظم المدن الأوربية .

تدعو هذه المشاركة إلى ضرورة الاستفادة من المزايا الإيجابية لهذه التجربة في تجاربنا المحلية ، إن اعتماد مثل هذه الدراسات التحليلية المقارنة كمنهج نطبقه في بلدنا ، من شأنه أن يرفع من كفاءة تعاملنا مع مبانينا ومدننا التقليدية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الطابع الذي نتعامل معه .

خاتمة :

البحث في هذا الموضوع واسع جداً ، تناول عدداً كبيراً من مراكز المدن القديمة ، حسب المصادر المتاحة ، وتمت بعض المقارنات و خاصة في مركز المدن الأوربية.

وقد وردت آراء كثيرة في موضوع التخطيط و تنفيذ أعمال الترميم و الصيانة و الحفاظ ، و رغم ذلك فهناك آراء كثيرة في موضوع التخطيط ، و تنفيذ أعمال الترميم و الصيانة و الحفاظ ، و رغم ذلك فهناك آراء فردية خاصة تناولت حالات خاصة ، ولم تنفذ أحياناً حسب مواثيق الترميم الدولية .

لقد تم اختيار نماذج و أمثلة درست أيضاً باختصار و لم يجر الخوض في التفاصيل و هي كثيرة خاصة ما هو منشور عن كثير من حالات إحياء مراكز المدن في أوربا ، وما نشر مؤخراً عن :مخطط الارتقاء” لإحياء مركز مدينة حلب.

حاولنا توضيح بعض الأمثلة الرئيسية ، ولكننا نؤكد أن كل مثالٍ يستحق أكثر من بحث في ندوة كاملة متكاملة ، وحاولنا أيضاً بعض المقارنة .

المراجع البحث الرئيسية :

1- انظر دومينيك شوفالييه : بحث ( المدينة القديمة ) المقدم إلى ندوة حلب القديمة 26 – 29 أيلول 1983 – حلب سورية .

2- أنظر The Renewal of historic town centres in nine European contries printedby wullenwever

Druckw.Germany1975 . P.7

3- نفس المصدر السابق p.8

4- نفس المصدر السابق P.10

5- نفس المصدر السابق P.11

6- انظر Save our commun Heritage UNESCO 1982 .

7-Structureplan Brugge voor de binnenstad stad Brugge 1976

8-The Aga khan Award for Architecture 1999-2001

9- مخطط الارتقاء لمدينة حلب القديمة إصدار مديرية حلب القديمة 2000

10- نفس المرجع السابق

11- نفس المرجع السابق

12- أنظر محمد عطا الله شيخ محمد : إعادة بناء مركز مدينة وارسو .

13-المرجع السابق

14-المرجع السابق

8 تعليقات

  1. وردة said,

    جوان 22, 2013 في 11:56 ص

    شكرا جزيلا على المعلومات القيمة ولكن هل بامكانك امدادنا بالمعلومات عن تقييم المراكز الحضرية (القائمة)

    إعجاب

  2. أوت 17, 2011 في 12:10 م

    الله يعطيك العافية يادكتور محمود أعتقد أننا فعلا محتاجين إلى هذا النوع من الدراسات حتى نستفيد من هذا الطرح الفكري لإبرازمعالمنا وتراثنا العربي

    إعجاب

  3. ماي 7, 2011 في 8:35 م

    ماقراته هو موضوع من اهم المواضيع في علم الحضارة الانسانية فالامم بلا ماضي تكون كبناء بلا قواعد دكتور بسام خليف دكتوراة في هندسة العمارة التراثية ودمجها في العمارة المعاصرة

    إعجاب

  4. لطيفة said,

    جانفي 31, 2011 في 10:25 ص

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    انا أخصائية تاريخية اعمل ضمن ادارة حكومية مختصة في الحفاظ على المدن التاريخية ضمن قطاع التخطيط العمراني وحمايتها من العشوائيات ولذلك اهتم بهذا الجانب لذا ارجو التكرم باشراكنا ضمن هذه المجالات الدورية ان تكرمتم وشكرا ً

    إعجاب

  5. elass said,

    أكتوبر 5, 2010 في 6:47 م

    شكرا جزيلا على الموضوع القيم حقيقة , ونحن بامس الحاجة الى هكذا دراسات خاصة في المدن السورية ذات الطابع التاريخي وما اكثرها ,ونحن في محافظة اللاذقية بحاجة الى كل الدعم لحماية ما تبقى من المدينة القديمة , الجهات الحكومية وحدها تتحمل اعباء هذا الموضوع نحن بحاجة الى اشراك الجهات الشعبية في عملية الحماية لانها لن تكون فعالة بغياب هذه الجهات .ونحن بامس الحاجة الى تشريعات تحمي هذه المواقع التاريخية علما ان هناك تشريعات متعلقة بالموضوع لكنها قاصرة في بعض النواحي, وهناك عجز اثناء تطبيقها في كثير من اللاحيان.اتمنى ان نتعاون جميعا في هذا المجال ,انا احضر لبحث ماجستير في كلية الهندسة المعمارية قسم تخطيط المدن وموضوع بحثي حول التشريعات المتعلقة بحماية المناطق التاريخية .اتمنى ممن لديهم الاهتمام بالموضوع التعاون للوصول الى حلول جديدة من خلالها نتمكن من حماية تراثنا وانقاذ مدننا . وشكرا مع امنياتي بالتوفيق للجميع ………………

    إعجاب

  6. Amal said,

    أوت 8, 2010 في 7:00 ص

    ارجو اعطاء هذا الجانب من الدراسة اكثر اهمية فهو مهم جدا..ولكم جزيل الشكر.

    إعجاب

  7. جوان 12, 2009 في 12:28 م

    اشكر جهودكم نعانىمن فراغ فىه\ة المواضيع البحثية

    إعجاب

  8. كريم said,

    مارس 4, 2009 في 12:52 م

    شكرا جزيلا على هذا العمل الجبار الذي قمت بة على مستوى دراستك المقارنة و أحيطك علما أن المكتبة العربية في حاجة ماسة إلى أبحاث من هذا النوع أشكرك مجددا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا و إياك لخدمة العلم

    إعجاب


أضف تعليق